Friday 12 February 2010

وقد كان..فالبقاء دائماً للأصلح - شكراً نصير شمة

جاءني الإقتراح بالذهاب إلى حفلة للفنان نصير شمة في قصر الأمير طاز في قلب القاهرة الفاطمية وبالتحديد في شارع السيوفية الذي يفوح منه عبق التاريخ وأريج الأصالة
تحمست والدتي للإقتراح جدا ففضلا عن كونها متابعة جيدة جدا للحفلات في الساقية والأوبرا وصندوق التنمية الثقافية فهي تعشق حضورها في الأماكن الأثرية بل إنني أظنها في بعض الأحيان تستمتع بما هو مقدم رغم عدم إجادته إلا أنها ترى أن المكان كفيل بأن يضفي هذه الهالة على ما تسمعه
واحاول أن اتعلم هذا منها
وكان اليوم خميس أي أنه يوم عمل وفي نفس الوقت يوم الفسحة والفرح في الأعراف القاهرية المعاصرة ومايعنيه ذلك من زحام
ورغم ذلك تمسكنا بحضور كلثوميات نصير في ضيافة الأمير
وذهبنا من ميدان السيدة زينب إلى قصر الأمير طاز قبل موعد بدء الحفل بعشرة دقائق وكان المكان مزدحم باعمار مختلفة إلا أن ثمة شئ يقول أنهم من طبقة ثقافية واحدة وإن لم يكونوا من نفس الطبقة الإجتماعية فالحماس والفرحة بحضور الحفل كانت تفضحه الأعين كما يعكسه الإنضباط في السلوك العام دون الحاجة إلى تدخل المنظمين،
 إلا أنه مازال هناك بعض الكراسي في الصفوف الاخيرة وإرتأت والدتي أن هذا سيكون سبب في عدم الإندماج مع فن نصير فالصوت لن يكون واضحاً وضحكت وقلت لها المهم أننا حضرنا الحفل
ولم نكن نعلم مفاجآت القدر
فما إن جلسنا حتى أهلت المفاجأة وظهر صوت ليس بعيد مصدره ملاصق لمكان الحفل هذا الصوت هو أحدث أغاني حزينة لإليسا و حماقي وشيرين (مع احترامي لأغاني كثيرة لهم إلا إنني أرى أن هناك حالة من الفقر المدقع على مستوى كلمات الأغاني وهو ما يجعلها حالة ضجيج خصوصا مع مستوى الصوت المبالغ فيه وهذا فقط تحفظي الشخصي)
فاعتقدنا في البداية أن إدارة المكان
 قامت بتشغيل هذه الأغاني قبل بدء الحفلة وتعجبت من الفجوة الحضارية فكيف نسمع هذه الأغاني الحديثة جدا قبل الكلثوميات ولكنني قلت الكلمة الشهيرة التي نتحايل بها على أسماعنا "أذواق"
ولكن الحفل تأخر عن موعده نصف ساعة وهو الأمر غير المعهود في حفلات نصير التي حضرتها
وجلست الفرقة على المسرح وجاء من يقدم الحفل ومازال صوت إليسا يملأ المكان وانا لا أسمع من يتحدث فصفق الناس وظهر نصير شمة ففهمت أنه قدم نصير شمة وصفقت معهم
وكانت حينئذ شيرين تغني في الخلفية
ففهمنا إن إدارة المكان بريئة من التهمة التي اعتقدنا انها مرتكباها
أعجبت جدا باحترامه لجمهوره الذي حضر ليستمع له واصراره على انجاح الحفل في أجواء صعبة جدا
ولكن لم يكن هناك مسئولاً عما يحدث  سوى القدر فعلى الجميع أن يخضعوا لهذا الإختبار الصعب
وكعادته تشعر في حفل نصير شمة وكأنك ضيف مدلل في بيت احد أحفاد الطائي يكرمك بفنه وكأنك بصحبة مضيف لبق يحترم وجودك يجعلك تشعر وكأنك من تمسك بالعود وليس هو من يطربك
بدأ بكلمات عن القصر الذي نجلس فيه وعن أم كلثوم وكان قبل كل أغنية يتحدث عن ملحنها وتاريخه مع أم كلثوم
ومازالت الأصوات تتعالى ومازال الحاضرون يجاهدون ليسمعوا كلمات شمة قبل كل أغنية
وقالت لي والدتي وهي تهز رأسها ضاحكة: رغم اننا لن نسمع جيدا فالحمدلله فواضح إنه افتتاح محل تخيلي لوكان فرح في هذه المنطقة وقلت لها والحمد لله أنها كلثوميات لأنها لوكانت مقطوعات لشمة لكان من الصعب جدا ان نندمج معها وضحكنا
وقد كان
فما ان بدأ الحفل حتى اكتشفنا أنه فرح شعبي فعلا
ومابين الأطلال ودارت الأيام حتى تسمع
 ياني ياني ياني مش هعمل كده تاني
ورغم اندماجك مع الأطلال إلا أنك لا تستطيع أن تمنع نفسك من تخيل نفسك وسط الراقصين في الفرح
وتعود لتحاسب نفسك أءترك الفن الجميل واندمج مع ماوراء الاسوار ؟؟ فتعود للإندماج
وشجعني على ذلك اصرار والدتي على ان نكمل الحفل ويقينها الغريب بأن الوضع يزداد تحسناً
ويفضح هذا الجدل الداخلي  الذي شاركني فيه الكثيرون ابتسامات الحضور مع ارتفاع صوت أغاني الفرح
وامتص نصير هذا الشعور الذي أحس به من حاضريه بالإبتسام كلما ارتفعت أصوات الفرح
ومع ثالث مقطوعة خرج حوالي 3 صفوف محدثين ضجيج في خروجهم فخشيت أن يشعر بهم من على المسرح فيحبطوا
ولكن عدت بسلام
وبدأ الإندماج في حفل نصير يلوح مع ظهور أحد الأصوات الجميلة الدارسة في  بيت العود العربي لتغني على عزف نصير
وبدأ تسلل الخارجين مع بداية الحفل وزاد مع التيقن من استحالة توقف الفرح
 وانتهى التسلل مع رابع مقطوعة
وعلى الباقيين التعايش بين المتناقضات
فبعد أهل الهوى تسمع اركب الحنطور واتحنطر
أو علي يا علي ياعلي علي يا علي
وظل التجاذب هكذا حتى تألق  نصير في عزف ألف ليلة وليلة دون غناء
تألق إلى الدرجة التي تجعلك تسمع العود ينطق كلمات الأغنية
مع نهايتها اكتمل الإندماج وتوجه الحاضرون بتصفيق حار جدا جدا جدا لنصير حتي أن أصوات التصفيق تنسيك أن هناك ما يمكن أن يتداخل مع الموسيقى العذبة
 و احتفل نصير بانتصار عزفه بأغنية يامسهرني
التي غنى فيها نصير والحضور وكأن لا يوجد في الكون مايؤرق آذانهم
وانتهت الحفلة بالبقاء للأصلح
سعدت بالحفلة جدا ولكن سعادتي الحقيقية بأن نصير أثبت عملياً جدارة فنه وأن أغلب الحضور نجح في اجتياز الإختبار
وكان دليل ذلك البسمة المرتسمة على وجوه الحاضرين بدلاً من القلق الذي بدا على وجوههم في بداية الحفل
أيقنت أن بقدرتي اختيار الأصلح حتى لو فرض علينا الاستماع إلى الأسوأ وإن كان في نفس الوقت
فالتحدي والإنتصار اعطى الحفل رونقاً خاصاَ

3 comments:

رنـا أبوعمرة said...

شكراَ نصير شمة

3araby said...

فعلاً البقاء للأصلح .. والأفضل

كانت حفلة فى بداية الأمر ..ثم تحول الأمر بالنسبة لك إلى مغامرة لسماع عزف نصير شمة ... وقد انتصرت بحضورك حتى نهاية الحفل ..

مع تمنياتى بحضور حفل اخر دون وجود أى شئ أخر يعكر صفوه .

:))

رنـا أبوعمرة said...

أنا سعيدة جدا إن الكلام عجبك
هي فعلا كانت مغامرة
وشكرا لتعليقك